أهلاً بك في ألايكا ........ أَعمالٌ لها أَهدافٌ يُحبُّها كُلُّ أَعضائها
أسلحتنا المفقودة ألايكا للأعمال الإبداعيَّة: أسلحتنا المفقودة

مبدأ ألايكا

السواعد المتكاتفة و القلوب المتحابّة بإمكانها أن تصنع المعجزات، و بالحبّ يحيا الإنسان

ألايكا للأعمال الإبداعية و الشراكات الاستثمارية

ألايكا للأعمال الإبداعية و الشراكات الاستثمارية
خدمات تجارية مقابل أسعار معقولة مع موسوعة شاملة تخدم الفرد و المجتمع

أنشأ حسابك الماليّ مجّاناً و ابدأ عمليَّة حصولك على المال

مفاجآت سارة بانتظارك قريباً نخدم فيها جميع التجار و المسوقين و المهتمين بالنشاطات التجارية كافة بالجملة و المفرد، نقوم حالياً بتجهيز وسائل انتقالنا إلى العمل بإطار يضمن لنا تحقيق المنفعة المتبادلة بما يضمن لنا الوصول إلى أهدافنا و غاياتنا المعلنة، نشكرك لصبرك و متابعتك لنا.
أحدث المواضيع

الأربعاء، 1 أبريل 2020

أسلحتنا المفقودة

أسلحتنا المفقودة

........


الأسلحة البيولوجية، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة النووية، أسلحة الدمار الشامل، أقوى الأسلحة في العالم، القوة الاقتصادية، القوة الضاربة، القوة الناعمة
أسلحتنا المفقودة


.........

الأسلحة البيولوجية، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة الكيميائية، الأسلحة النووية، الأسلحة فرط الصوتية، الأسلحة البيضاء، أسلحة الدمار الشامل، أقوى الأسلحة في العالم، القوة الرباعية، القوة الاقتصادية، القوة الضاربة، القوة الناعمة، القوة الدافعة الكهربائية، و المزيد في هذا المحتوى، أسلحتنا المفقودة، من مشاركات أعضاء ألايكا، في ألايكا

.........

 

أسلحتنا المفقودة

بقلم:

مجدي إبراهيم

 

يَمْتلكُ الإِنسانُ المؤمنُ المسؤولُ قُدرةً على الانفتاح على "المبدأ" قَدرَ امتلاكهِ القُدرةَ على الاعتقادِ؛ فلئن كانَ الاعتقادُ مِمَّا يُمليهِ الإيمانُ القلبيُّ، فاعتناقُ "المبدأ" مِمَّا يَفرِضُهُ لديهِ التوجُّهُ العقليُّ، فهُوَ على الدوامِ (عبرَ تاريخهِ الطويلِ) يتولّى بالرعاية و التقدير مجموعةً من المبادئ هيَ في الأصلِ "منظومة القيَم"؛ الّتي تُشكِّلُ وجدانهُ أو يُفرِزُها عقلُهُ و يرعاها ضميرُهُ، و أَنــَّهُ لينظر إِليها كُلَّ حينٍ نظرَ التقديرِ و الاحترامِ ما دامَت هيَ الّتي، في كافّةِ الأَحوالِ، تُشكِّلُ وجدانهُ و تُحَدِّدُ مساراتَهُ و تقوِّمُ شخصيِّتَهُ الْحُرَّةَ الْمُستقِلَّةَ؛ إِنْ في الاعتقادِ القلبيِّ الإيمانيِّ، و إِنْ في الاعتناقِ العقليِّ النظريِّ؛ و سواءٌ كانت هذهِ القيَمُ مِمّا يؤيِّدُهُ الدِّينُ و يُقِرُّهُ الشرعُ.

و هُنا يكونُ للاعتقادِ القلبيِّ أَثرُهُ الفعَّالُ، أو كانت مِن جنسِ المبادئ العقليَّة الّتي لا يغفَلُ عن الإيمانِ بها رجُلٌ عَرِفَ للعقلِ قيمتَهُ.

قَد يُنفِقُ المرءُ مِن مِدادِهِ (رَخُصَ هذا الْمِدادُ أو غَلا) فلا يستطيعُ أَحَدٌ كائناً ما كانَ أَن يضعَ لَهُ عنواناً على التقدُّمِ المعمولِ بهِ في الفِكرِ و في الثقافةِ على وجهِ العمومِ حتَّى كأَنَّنا لَم نعُدْ قادرينَ على التكيُّفِ معَ الواقعِ، فالواقِعُ أَشدُّ وَقعاً على قَهرِ النُّفوسِ و العقولِ و الأَفئدةِ لقبولِهِ كما هُوَ دُونَ تغييرٍ فلا كأَنَّنا درسنا، و لا كأَنَّنا تعلّمنا، و لا كأنَّنا نظرنا و فَكّرنا و رُحنا في كُلِّ يَومٍ و في كُلِّ ساعةٍ نقولُ:

-  إِنَّ العِلْمَ هُوَ الأَساسُ فانهجوا سبيلَهُ تتحقّقُ لكُم نهضَةُ الأقوياءِ العاملين؛ و إِنَّ التهذيبَ و التثقيفَ هُما الْمُقَوِّمُ الحقيقيُّ الجوهريُّ لبني الإنسان.

حياتُنا كُلُّها لَغَطٌ، مُنفِّرٌ، أَجوَفٌ، خربانٌ! و هذهِ الأوصافُ الأربَعُ (اللغَطُ، الْمُنفِّرُ، الأَجوَفُ، الخربانُ) هيَ الثمَرَةُ الّتي يتجرَّعُها الفَردُ مِنَ الاجتماعِ و الاختلاط.

ليسَتْ للفَرديَّةِ قيمَةٌ معَ الجماعَةِ إذا كانَ للجماعَةِ قانونـُها الّذي يُقيِّدُ حُريَّةَ الفردِ فيطغى على كيانهِ و استقلالهِ.

و ليسَ للإنسانِ وجودٌ معَ أَهواءِ الآخَرينَ و مُسايرَةِ آفاتِهِم و أَمراضِهِم النَّفسيَّة.

ما أَجمَلُ أَن تكونَ مُنعَزِلاً مُستَقِلّاً بَعيداً عَمَّا يَفرِضُهُ الآخَرونَ عليك مِمَّا لا يَليقُ بالوعي الأدبيِّ؛ فَضلاً عَمَّا لا يَليقُ بالوعي بالآخَرين!

إِنَّ وعيك بالآخَرِ ليسَ شَرطاً أَن يَجيءَ مُسايرةً لَهُ فيما يَفعَلُ أَو يقولُ، و إِنــَّما هُوَ يأَتي بمِقدارِ استقلالِك عَنهُ و النظر إليهِ مِن بعيدٍ حسبَ اعتقادِ الموقفِ و اختيارك لَه.

مِن بَعيدٍ قَد ترى الصورةَ أَوضحَ مِمَّا هيَ عليهِ فيما لَوِ اقتربت مِنها؛ إِنــَّك لَو كُنت قَريباً منها لرأَيت أَشباحاً و ظِلالاً ليسَت هيَ مِمَّا يَمَسُّ الحقيقةَ في شيءٍ، و إِصلاحُ الجماعَةِ إِنــَّما يكونُ في إتاحَةِ الفُرصَةِ لذوي الاستقلالِ أَن يُمارِسوا مَهامَّهُم الكاشفَةَ عَن عُنصرِ" القيمَةِ" في هذا الوُجود.

-  متى يأَتي اليومُ الّذي يَمتلِكُ فيهِ المرءَ زمامَ نفسهِ؟

-  و متى تحينُ "اللحظَةُ" الّتي ينفَرِدُ فيها الإنسانُ بخالقهِ؛ ليَعرِفَ فتتكشَّفُ لَهُ (بعدَ الْمَعرِفَةِ) سُبُلُ الحقيقَةِ مُجَرَّدَةً عَنِ الزخرفةِ و الرياء، خالِصَةً عَنْ كُلِّ ما هُوَ مُبَهْرَجٌ، مُزَركشٌ، كاذِبٌ، خَدَّاعٌ؟

-  متى يَمتلِكُ الإنسانُ زمامَ نفسِهِ فينفرِدُ ليكونَ مُتفَرِّداً؟

-  متى يتَّصِلُ الإنسانُ فينا بالوعي الأَسمى، بحقيقَةِ الإنسانيَّةِ فيهِ؛ ليكونَ سامياً في نفسِهِ قبلَ أَن يَسمو في نظَرِ الآخَرين، و ليكتَشِفَ حقيقتَهُ الأَصليَّةَ كُلّما رَعيَ الوعيُ فيه؟

-  لماذا لا نعطي أَنفُسَنا هُنا و هُنا فقَط، حَقَّها بمقدارِ ما نطالبُها بواجباتِها؟

و أَوَّلُ حُقوقِ النَّفسِ هُنا؛ و هُنا فقَط؛ أَن تواجهَ الحقائقَ بمِعوانِ "العَقلِ البصيرِ" و الذوقِ النبيلِ و التصرُّف الْمَقبولِ، و بمقدارِ مواجهتها للحقائقِ يَكونُ اتِّصالُها بمَعدِنِ القُوَّةِ في ذاتِها و في طبيعتِها، بَل و في وظيفتِها الْمَنوطَةِ بها بقاؤها في هذا العالَمِ.

نعَمٌ! حياتُنا كُلُّها لَغَطٌ مُنفرٌ أَجوفٌ خربانٌ، وَ بعدَ التجاربِ الحَقَّةِ إذا بالعِلْمِ الّذي جعلناهُ هُوَ الأَساسُ فأَردنا أَن ننهجَ سبيلَهُ كيما تتحَقّقُ لنا نهضَةُ الأقوياءِ العاملينَ، يَصيرُ هُوَ نفسُهُ الْمُصيبَةُ الكُبرى الّتي يظلُّ الإنسانُ يُقاوِمُ آفاتَها و سلبياتَها، و إذا بالفِكرِ هَمُّ طويلٌ، طويلٌ، لا يَخرُجُ منهُ صاحِبُهُ إِلّا على أَحوالٍ مُتصارِعَةٍ و مُتداخِلَةٍ مِنَ البؤسِ و الشقاءِ و المرضِ و التعاسَةِ وَ سوءِ الحالِ و قِلّةِ المواردِ إِلّا أَن يكونَ صاحبُهُ مُتحذلِقاً "نصَّاباً" يُجيدُ فُنونَ الحَذلَقَةِ "و الفهلوَةِ" بمِقدارِ ما يُجيدُ فنونَ التسلُّقِ على أكتافِ الآخَرين.

و الجُهلاءُ (أعاذك اللهُ مِن سَلاطَةِ الجُهلاءِ!) يَنعَمونُ بنعَيمِ الجَهلِ؛ و لكنَّهُم لا يَشْكونَ قَطُّ مرارةَ العَيشِ و شظفَ الحياة!

أَمَّا العُلماءُ الْمُفَكِّرونَ الْمُثقَّفونَ، فَهُم على الدوامِ؛ ناعونَ أَنفُسَهُم للتعاسَةِ، شاكْونَ شَظَفَ العَيشِ وَ قِلّةَ المواردِ الّتي تُهيئهُم أَن يكونوا سُعداءً، و عزاؤهُم الوحيدُ أَنــَّهُم مَهمومونَ بدَرءِ الْمَفاسدِ و إصلاحِ أَحوالِ الأُمَّةِ الّتي يَنتَسبونَ إِليها و يَدينون لها بالولاءِ.

و معَ ذلكَ؛ فَهُم أَكثرُ خَلْقِ الله نبذاً مِن مُجتمعاتِهِم و سَلْباً لمزاياهُم و انتقاصاً لمواهبهِم و تقديراتهِم.

لقَد بلَغَ السَّيلُ فيهِمُ الزُّبَىَ:

-  ماذا عليهِم لَو أَنــَّهُم نكَّسوا الرايةَ و طَووا اللواء؟

إِنــَّهُم لَيقولونَ معَ الفَخرِ الرازيِّ مُردِّدينَ قولَهُ كما كانَ هُوَ يُرَدِّدُهُ في يأَسٍ مِنَ الإصلاح:

فأَرْوَاحُنَا في وَحْشَةٍ مِنْ جِسُوُمِنا ... وَ حَاصِلُ دُنـْيَانا أَذَىً وَ وَبَـالُ

لَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طوُلَ عُـمْرِنا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فيهِ قِيَلَ وَ قَالوُا.

إِنــَّهُ لَحَديثٌ شَريفٌ ذلكَ الّذي تقولُ كلماتُهُ الطاهِرَةُ:

-  "لَمَدادٌ جَرَتْ بهِ أَقلامُ العُلماءِ أَفضَلُ عِندَ اللهِ مِن دِماءِ الشُّهداءِ في سَبيلِ اللهِ".

-  فهَل يَجوزُ بعدَ ذلكِ أَلّا تكونَ الكلمةَ العُليا في الْمُجتمَعِ المؤمنِ برسالةِ الإسلامِ لغيرِ ما خَطَّهُ العُلماءُ بمدادِهِمِ الطاهرِ النبيلِ؛ كُلٌّ في مجالِ اختصاصهِ؟

ثــُمَّ:

-  مَن ذا الّذي يُفتَرَضُ فيهِ أَن يَتَّبعَ الآخَرَ: أَهلُ العِلْمِ يَتَّبعونَ النَّاسَ أَمِ النَّاسُ تَتَّبعُ العُلماءَ؟

-  و أَيُّهما أَرفَعُ مَنزِلةً: العالِمُ أَمْ صاحِبُ الْمَنصبِ الّذي يُشَوِّشُ على العالِمِ سُبحاتَهُ العُلْويَّةَ و يُنغِّصُ عليهِ حياتَهُ الْمُبارَكَةَ حينَ يَقطعُ دوماً طرائقَ تفكيرِهِ؟

الواقِعُ الّذي تحُسُّهُ الأَيدي و تراهُ الأبصارُ: هُوَ أَنَّ صاحِبَ الْمَنصبِ هُوَ الّذي ترفَعُهُ عيونُ النَّاسِ وَ تُقَدِّرُهُ نظراتُهُم، و لا تكونُ الصدارَةُ في ظِلِّ أَوضاعِ الْمُجتَمَعِ الْمَقلوبَةِ إِلّا لَهُ، ناهيك عَمَّا يتمَتَّعُ بهِ صاحِبُ الْمَنصبِ مِن تطاولٍ على خَلْقِ اللهِ و استخفافٍ بأَهلِ العِلْمِ أحياناً كثيرةً، و لِمَ لَمْ يستخِفَّ صاحِبُ الْمَنصبِ بأَهلِ العِلْمِ وَ هُوَ نفسُهُ لَم يَصِلْ إِلى منصبهِ هذا إِلّا "بالحَنجلَةِ" و النِّفاقِ و التطبيلِ و التحايُلِ على العِلْمِ و ادِّعائهِ لَهُ و هُوَ مُجرَّدٌ عنهُ و نبذَ قيَمَهُ الظاهِرَةَ و الباطنةَ و مُطاردَةِ العُلَماءِ الخُلَّصِ الّذينَ لا يُقَدِّرونَ مُطلَقاً صاحِبَ الْمَنصبِ الوَضيعِ (أَو الرفيعِ سَيَّانٌ!) لأَنــَّهُم يَعرِفونَ جيِّداً أنــَّهُ لَم يَصِلْ إِلى مَنصبهِ إِلّا حينَ تخلّى عَن العِلْمِ، و لكنَّ الواقِعَ هُوَ أَنَّ العِلْمَ تخلّى عنهُ قبلَ أَن يتخلّى هُوَ عَنِ العِلْمِ؛ فإِنَّ للعِلْمِ أَهلاً و جنوداً، و لَهُ كرامَةٌ مُصانةٌ في قلوبِ العُلماءِ، و لَهُ عشائِرٌ يخدمونهُ بشرَفِ البقاءِ في مِحرابهِ صباحاً مساءً.

لَهُ جنودُهُ البواسِلُ الفِدائيِّونَ الّذينَ يَحرسونهُ مِنَ الباطلِ و السفيهِ، فيُثبِّتُ عليهِم أَقدامَهُ الراسخةَ في هذا العالَمِ الغريبِ المأَفونِ.

أَمَّا الْمَنصِبُ؛ فزائِلٌ لا يسعى إِليهِ إِلّا الّذينَ فَرُغَت حواشيهِم عَنِ الْمَطالبِ العِلميَّةش، فآثرتهُمُ الْمَريسةُ الإداريَّةُ، فصاروا يُصدِرونَ أَحكامَهُم على العُلماءِ خاطئةً و كاذبةً و هوائيَّةً، وَ هُم في الواقعِ أَبعَدُ خَلْقِ اللهِ عَنِ الاشتغالِ بالعِلْمِ، و بالتالي عَن تقديرِ رجالِهِ.

للعِلمِ رجالُهُ الّذينَ لا يُخطئهُم بصرُ الأَعشى قبلَ الْمُبصرِ، و ينبغي لأصحابِ الْمَناصبِ أَن يكونوا خُدَّاماً مُنقادينَ لهؤلاءِ العُلماءِ، لا أن يَضعوا أمامَهُم العوائقَ و العراقيلَ و يكسِروا ما كانَ تبقّى لديهِم مِن عزائِمٍ أو يُقيِّدوها بقيودٍ مِن حَديدٍ، لتضيقَ حياتُهُم، فيشتغِلوا بكُلِّ ما هُوَ أدنى و أَخس في دُنيا كُلِّ ما هُوَ فيها في الغالبِ خسيسٌ و دنيء.

إِنَّ للعِلمِ كرامَةٌ يَعرِفُها العالِمُ الّذي يُحسِنُ المجالَ الّذي نبغَ فيهِ؛ فإذا قابلَتهُ في طريقهِ أَلوانُ المهاناتِ الّتي يفرِضُها عليهِ أصحابُ الْمَناصبِ حِقداً أو غِيرةً أَو حَسَداً أو كبرياءً و جهالةً، فقَد يَعزُّ عليهِ أَن يَمضي مُعَافاً في طريقِ العِلمِ لولا العُزلَةُ أَو الهجرَةُ، يأَخذُ نفسَهُ بإحداها إِلى حيثُ تكونُ وسائِلُ الاحترامِ و التقدير.

أَمَّا العُزلَةُ؛ فهيَ عُزلَةٌ عَنِ الْمُجتمعِ الّذي يعيشُ فيهِ، و النَّاسِ، و انشغالُهُ بعالَمٍ غيرَ العالَمِ و حياةٍ غيرَ الحياةِ، و في تلكَ العُزلةِ تكمُنُ رياضُةُ النَّفسِ على إبداعِ الجَديدِ: مُتعَةُ العالِمِ الّذي روَّضَ نفسَهُ على الانعزالِ الإراديِّ؛ ليُنتِجَ و ليبُدِعَ جديداً لا يُبدعُهُ و لا يُنتجِهُ و هُوَ مَهمومٌ بشواغلِ الآخَرين.

و أَمَّا الهجرَةُ؛ فإِلى وطنٍ يَرحَمُ شقاءَهُ، و يُقدِّرُ عناءَهُ، فيكفَلُ لَهُ المواطنةَ الصَّالحةَ و التقديرَ المأَمولَ، و لا عليهِ بعدَ ذلكَ لَو فقدَ العالِمُ الْمُهاجرُ وطنَهُ الأَصليَّ، و ظلَّ حياتَهُ يستوطِنُ أَوطانَ النَّاسِ كما الْمُتسوِّلِ على موائدِ كُلِّ لئيمٍ.

مَرَّةً أُخرى: "لَمَدادٌ جَرَتْ بهِ أَقلامُ العُلماءِ أَفضَلُ عِندَ اللهِ مِن دماءِ الشُّهداءِ في سَبيلِ اللهِ"، لكنَّ هذا الْمَدادَ الّذي تجري بهِ أَقلامُ العُلماءِ ينبغي أَن يعرِف وجهتَهُ كيفَ تجري، و وحدَةَ قصدِهِ كيفَ تسيرُ في سبيلِ الإخلاصِ للهِ في الوجهَةِ و في وحدَةِ القَصد.

إِنَّ صداقَةَ العُلماءِ لأقَلامِهِم أَغلى عندَهُم و أَكرَمُ مِن كُلِّ صداقَةٍ، و بالتالي فينبغي أَنْ تكونَ أَكثرَ إِخلاصاً في سَبيلِ اللهِ الّذي لا يعلو عليهِ سَبيلٌ مَقصودٌ؛ فليسَ هُناكَ أَوفى مِن قَلَمِ العالِمِ و لا أَفضَلُ، و ليسَ هُناك أَحفَظُ منهُ للسِّر و لا أَكتَمُ، و لا أنهَجُ لخيرِ الطُرقِ و لا أَقوَمُ، هُوَ الطريقُ الوحيدُ الّذي يُجيدُهُ العالِمُ مُخلِصاً في عِلمهِ و عملهِ، و يبتغي معَ الإخلاصِ راضياً أَنْ يسيرَ فيهِ؛ و ذلكَ لأَنــَّهُ الطريقُ الوحيدُ الّذي تبدو فيهِ الصداقَةُ الحَقّةُ بغيرِ زَيفٍ و لا بُهتانٍ و بغيرِ نِفاقٍ و لا تطبيلٍ؛ ففي القَلمِ أَبدعُ آياتِ التواصُلِ الْمَجيدِ بينَ عقلٍ و عقلٍ، و بينَ فؤادٍ و فؤادٍ، و فيهِ كذلكَ آياتُ الْمَجدِ النافعِ و قناعاتُ الصداقةِ الباقيةِ الدائمَةِ؛ فإذا تمَّ الحِفاظُ عليهِ، فقَد تمَّتْ بالضرورةِ مصادِرُ الثقةِ بكُلِّ ما هُوَ نافعٌ و خالِدٌ و جميلٌ.

و عليهِ؛ فإذا لَم تنقَشِعَ تلكَ الغُمَّةُ و يَسودَ في الْمُجتمعِ نوعٌ مِنَ الوعي و الاهتمامِ بعُقولِ الأُمَّةِ الّتي ترغَبُ في المشاركَةِ، و تجدَ لديها القُدرةَ على توجيهِ العُقولِ إِلى ما ينفَعُ و يفيدُ؛ فلَن يَكونَ هُناكَ إِصلاحٌ حَقيقيٌّ نابعٌ مِن ذواتِ هذهِ الأرضِ الّتي أَرضعَت أَبناءَها مِن ضرعِ الطينِ المصريِّ الخالصِ الأَصيلِ.

لا شَكَّ أَنَّ إِصلاحَ هذا الواقعِ الّذي تعيشُهُ أُمَّتُنا العربيَّةُ بضروبهِ الْمُتناقِضَةِ حُلمٌ كَبيرٌ يَحتاجُ إِلى جهادٍ طويلٍ، و الجهادُ شأَنٌ عظيمٌ مِن شؤونِ الروحِ و الضمير، ففيما لا يكونُ الجهادُ، و الواقعُ الّذي نعيشُهُ يزخرُ بضروبِ التناقُضاتِ: الأَخلاقيَّةِ، و الدِّينيَّةِ و الْمُفارقاتِ السياسيَّةِ.

فأَمَّا (الأُولى) الأخلاقيَّةُ: فالهيكَلُ النظريُّ غالِبُ عليها، و ما أَبعَدُ الفاعليَّةُ التطبيقيَّةُ عَنِ الواقعِ العمليِّ حينَ يَزعُمُ لك الزاعمونَ أَنــَّهُم يتحدَّثونَ في مجالِ الأَخلاقِ.

و أَمَّا (الثانيةُ) الدِّينيَّةُ: فالسلوكُ فيها شيءٌ لا يدلُّ على الاعتقادِ، و العمَلِ الواجبِ تأَديتُهُ غير القولِ الّذي قيلَ للنَّاسِ يهدفُ إلى البرِّ، و لا عليه (مِن جهةٍ أُخرى) إِنْ جاءَ حَظُّ النَّفسِ مِن مَطالبِ البرِّ و التَّقوى و السَّلامةِ و الصَّلاحِ في غفلَةِ النسيانِ.

و أَمَّا (الثالثةُ) السياسيَّةُ: فقَد لخَّصتها فِطرَةُ الشَّاعِرِ العربيِّ حينَ قالَ:

و نشربُ إِنْ أَردنا الماءَ صَبواً ... وَ يشرَبُ غيرُنا كَدَراً وَ طيناً

فهذا هُوَ بالضبطِ ما ينطبقُ على الْمُفارقاتِ السياسيَّةِ في العَلاقاتِ الخارجيَّةِ بينَ الدولِ.

هُنالكَ دُوَلٌ (أَنظِمَةٌ) تُنادي بأَعلى صَوتٍ بالحُريَّةِ و الديمقراطيَّةِ و المواطنةِ و التسامُحِ و الأَمنِ و الأمانِ و العَقلانيَّةِ و الانتماءِ و التعاونِ و الشـرعيَّةِ الدوليَّةِ و السَّلامِ وَ التعايُش ِالسِّلميِّ و تحاوِلُ تطبيقَ هذهِ الأَفكارَ الكُبرى على شعوبها أَو معَ الدولِ الّتي تتكافأ معَها قُوَّةً و جنساً وَ عُدَّةً و عتاداً، حتَّى إذا ما خرجَتْ تلكَ المفاهيمُ الكُبرى إلى ميدانِ التعامُلِ معَ الشعوبِ العربيَّةِ، تغيَّرَتْ وَ أصبَحَتْ اِستبداداً و قهراً و ظُلماً و عَسَفَاً و غطرسةً و عُنفاً و حرباً و دماراً؛ فإذا المفاهيمُ مَقلوبَةٌ، و الكَيلُ الّذي هُوَ بمكيالينِ لا يَسري إِلّا على الدولِ العربيَّةِ و الإسلاميَّةِ، و إذا بقولِ الشَّاعرِ حقيقةٌ ليسَ فيهِ مَجازٌ!

هذا الواقِعُ المشحونُ بضروبِ الْمُتناقضاتِ و الْمُفارقاتِ..

-  كيفَ نواجهُهُ؟

-  و ما السِّلاحُ الّذي نمتلِكُهُ ليُساعِدَنا في فَهمِ هذا الواقعِ و محاولة إصلاحهِ؟

إِنــَّنا نمتلِكُ أَسلِحةً كثيرةً، لكنَّها مفقودةٌ رغمَ وجودِها الظاهرِ في الحياةِ عموماً بَل و في سائرِ الحيواتِ الّتي نعيشُها بأَسلحةٍ مَزعومةٍ؛ الأمرُ الّذي يدعو المرءَ إِلى كثيرِ الأَسَفِ حينَ يَجِدُ في حياتِهِ الثقافيَّةِ مَثلاً أَوضاعاً مَقلوبةً بمقدارِ ما يجِدُ هذهِ الأوضاعَ الْمَقلوبةَ تتواجَدُ في غيرِ الحياةِ الثقافيَّةِ: اجتماعيَّةً كانت أو سياسيَّةً.

أَقولُ: يأَسَفُ المرءُ (كُلَّ الأَسَفِ) حينَ يرى الأوضاعَ الْمَقلوبةَ ساريةً في أَصلابِ هذهِ الحيواتِ، و يشتدُ أَسفُهُ حيناً بعدَ حينٍ عندما يشهَدُ الفوضى و التخبُّطَ، ثــُمَّ لا يقوى مِن دخائلهِ على تعميمِ فريضَةِ الإصلاحِ، و نقلِها من إطارِ النظرِ إلى مستوى العملِ؛ فليسَ أمامهُ (مِن بَعدُ) إِلّا الاستسلامُ للقيودِ الّتي تَغِلّهُ صباحاً مساءً، و لا تكتفي بالأَغلالِ و لكنَّها تطالبُهُ أَن ينساقَ وراءَها كما تُساقُ السائِمَةُ!

و رُبَّما كانت تلكَ القيودُ قيوداً غيرُ مفروضةٍ عليه.. رُبَّما، بَل هيَ قيودٌ داخليَّةٌ قبلَ أَن تكونَ قيوداً خارجيَّةً، مَرَدُّها إِلى تكبيلِ العَقلِ و تقييدِ الضميرِ و امتناعِ الحركةِ عَنِ الانطلاقِ الحُرِّ و فُقدانِ الثقةِ الباطنةِ في شعورِ العاطفةِ الدِّينيَّةِ و سيادتَها في أرجاءِ هذا العالَمِ الحيرانِ.

و عليهِ: فكُلُّ ما يُقابلُهُ مِن صدودٍ و قيودٍ مِن هذهِ الجهةِ إِنــَّما هُوَ صدودٌ داخليَّةٌ و قيودٌ ذاتيَّةٌ لا يَقوى على تغييرها في نفسِهِ، و لا هُوَ بقادرٍ على كسرِ أَغلالها في باطنِهِ.

و مِن عَجيبِ الْمُلاحظاتِ: إِنــَّك ترى فئاتَ الْمُفترَضِ فيها أَن تقولَ الحَقَّ في غيرِ بُطلانٍ، وَ أَن تتوخَّى الصدقَ و الهدايةَ في كُلِّ حالٍ، لكنَّها في أغلَبِ الأحيانِ، إِنْ لَم يَكُن في كُلِّها، لا تقولُ (إِنْ هيَ قالَتْ) غيرَ الباطلِ و لا تُجاهِرُ إِلّا بالبُهتانِ، لكأَنـَّما عَيشُها على "النِّفاقِ" هُوَ كُلُّ الغايةِ مِنَ الحياةِ لديها، و أُسلوبُها الّذي تسيرُ عليهِ هُوَ الأُسلوبُ الّذي لا تمتلِكُ على الإطلاقِ أُسلوباً غيرَهُ ترتفِعُ بهِ زاعِمَةً، راغِمَةً، إِلى دُنيا الإصلاحِ، إِنْ في مجالِ الفِكرِ، وَ إِنْ في دنيا الواقعِ و التطبيقِ؛ فلا جَرَمَ أَنَّ ما يَصدرُ عَنها مِن كلماتٍ و عِباراتٍ أَو أفكارٍ و آراءٍ، هُوَ خِواءٌ في هَواءٍ: تضييعٌ للوقتِ و الجُهدِ بمِقدارِ ما فيهِ تضييعٌ للقيمَةِ مِن ورائهِما؛ لأَنــَّهُ في الحَقِّ عبارَةٌ عَن فراغٍ كهذا الفراغِ الّذي يُحيطُ بنا، فلا نرى بعدَهُ نهايةً كُلّما نظرنا إلى السَّماءِ أَو توجَّهنا بأَبصارِنا شاخصينَ نحوَ ما يُحيطُنا مِن فراغاتِ الوُجودِ.

السِّلاحُ الّذي تمتلِكُهُ هذهِ الفئاتُ هُوَ بلا شَكٍّ مِن ضمنِ أَسلِحَةٍ كَثيرَةٍ نمتلِكُها موجودَةٌ غيرُ مفقودَةٍ، وَ بمقدارِ ما هيَ موجودَةٌ لا تجدُ لها صدىً على ضروبِ الحياةِ الّتي ينبغي أَنْ نـُمليَ عليها (قادرينَ لا عاجزينَ) فُروضَ التغييرِ.

-  هَل هذا يُعَدُّ تقدُّماً تسيرُ فيهِ دَعوةُ الْمُتقدِّمينَ إِلى فُروضِ التغييرِ؟

-  أَمْ هُوَ التخلُّفُ بعينهِ؟

التخلُّفُ النَّفسيُّ و القلبيُّ و المعنويُّ؛ فالّذي لا يملِكُ نفسَهُ و لا قلبَهُ و لا شئونهُ المعنويَّةَ و الروحيَّةَ هُوَ يَضرِبٌ بمِعوَلِ هدمٍ في جذورِ وجودِهِ، فتنهارُ كُلُّ القيَمِ لديهِ مِن حيثُ يشعرُ أَو لا يشعرُ.

هُنالِكَ أَقلامٌ شَريفَةٌ تُجاهِدُ، و تسعى إِلى الجهادِ بطريقَةٍ أَو بأُخرى، صادِقَةٌ في الوُصولِ إلى الحقيقةِ الباطنةِ مِن وراءِ الزَّرْكشَاتِ الفارغةِ و المظاهرِ الكاذبةِ، لكنَّها مع ذلكَ ينتابُها الأَسى مِن عراقيلٍ تـُثـَبِّطُ الهممَ، غيرَ أَنــَّها على الدوامِ تؤمِنُ بما هُوَ أَأَمَنُ لها مِن طريقِ الجهادِ، و ما دامَ الجهادُ شأناً عَظيماً مِن شؤونِ الروح و الضميرِ، فهُوَ أَدعى إلى بذلِ النَّفسِ في سبيلِهِ؛ و ذلكَ هُوَ "الإخلاصُ" الّذي أشارَتْ إليهِ حِكمَةٌ مأثورَةٌ للإمامِ "مُحمَّد عَبدَه" حيثُ قالَ:

-  "الدليلُ على صِدقِ الإنسانِ فيما يَدَّعيهِ مِنَ "الإخلاصِ" أَن يَبذُلَ مِن نفسِهِ في سبيلِهِ؛ فإِن لَم يَبذُلَ فَهُوَ كاذبٌ، و مهما يبلغُ الإنسانُ، و لَم يُظهِرُ هذا الْمَحَكُّ إِخلاصَهُ فهُوَ غيرُ مُخلصٍ".

لكأَنَّما الإِخلاصُ الّذي يُريدُهُ الأُستاذُ الإِمامُ هُوَ خيريَّةُ الصدقِ في العملِ، و الدأَبُ على تحصيلِهِ، فلَو كانَ صادقاً لكانَ مُخلِصاً، و لو كانَ مُخلِصاً لكانَ خَيِّراً فيما يقولُهُ و فيما يعملُهُ.

و اكتِشافُ "مَحَكِّ الإِخلاصِ" هذا، و الدأَبُ على تحصيلِهِ مَرَّةً ثانيةً، لَهُوَ التقدُّمُ الروحيُّ و النَّفسيُّ و الخُلُقيُّ الْمُرتهِنُ بوعي "الذاتِ الفرديَّةِ" تجاهَ ذاتِها أَوَّلاً ثــُمَّ تجاهَ ذواتِ الآخَرين..

-  ماذا عَسَاهَا تفعلُ؟

-  و ماذا عَسَاهَا تتركُ؟

-  و إلى مَنْ تتوجّهُ بما تفعلُ أو بما تتركُ؟

إِنَّ اكتشافَ "مَحَكِّ الإِخلاصِ" هذا لَهُوَ الرِضى كُلُّ الرِضى بالفعلِ أَو بالتركِ، لا لشيءٍ إِلّا لأَجلِ جَلالِ الْمُبتَغَى و جمالِ التوجُّهِ.

و لا يتأتَّى الإِخلاصُ عموماً بغَيرِ بذلِ النَّفسِ في سبيلِهِ كما قالَ الإِمامُ عليُّ بن أَبي طالبٍ:

-  "خَيرُ العَملِ مَا أَكرهتَ نفسَكَ عليهِ".

هذا هُوَ السِّلاحُ المفقودُ الّذي نحتاجُهُ أَكثرَ مِمَّا نحتاجُ إِلى غيرِهِ مِن أسلحةٍ ظاهرةِ الوُجودِ غيرَ أَنــَّها في حقيقتِها مفقودَةٌ: أَن نــُكرِهَ أَنفُسَنا في جَميعِ الأَحوالِ على العَمَلِ الخَيِّرِ.

إِنَّ وَلاءَنَا للتفكيرِ الماديِّ هُوَ بلا شَكٍّ سبَبُ الكوارثِ الأَخلاقيَّةِ، و الخصوماتِ السياسيَّةِ بينَ الأُمَمِ و الشعوبِ، وَ هُوَ كذلكَ سَببٌ قويُّ مِن أسبابِ ضَعفِ الوطنيَّةِ و التنافُسِ الغبيِّ بينَ المواطنينَ على نهبِ خيراتِ الوطنِ، و سرقَةِ أَموالِ الفُقراءِ و الْمُحتاجينَ.

و ليسَ أَشنَعُ في تصوِّرِ العُقلاءِ الصادقينَ معَ أَنفُسِهِم، مِن أَن تنقلِبَ القشورُ و المظاهِرُ، و السطحيِّاتُ و التفاهاتُ و الأَعراضُ الزائلَةُ دُونَ الجواهرِ الباقيةِ و الغباواتِ الآدميَّةِ... تنقلِبُ كُلُّها إِلى "حقائقٍ" يُصَدِّقُها الأعمى و الْمُبصِرُ و الكاذبُ و الصادِقُ، و ذكيُّ العَقلِ و بليدُهُ على حَدٍّ سواءٍ.

ليسَ بالإِمكانِ مُطلَقاً أَن تجيءَ "الكماليِّاتُ" أَوْلى عِندنا بالعنايةِ و الرعايةِ مِنَ "الأَساسيِّاتِ"، و لا أَن تكونَ حقيقةَ الإنسانِ الأَصليَّةَ مُؤخَّرَةٌ عمَّا يُقدِّمُهُ الإنسانُ نفسُهُ مِن تقدُّمٍ في المادَّةِ و استخدامٍ لها، أو مِن إبداعٍ فيها و تطوُّرٍ معَها، و لا يَصحُّ أن تكونَ استطاعتُهُ و إرادتُهُ أَوْلى بالرعايةِ مِن حقيقتِهِ الباطنةِ في جوفِهِ، فإذا لَم تكُن هذهِ الحقيقةُ موطِنَ تقدُّمٍ و إصلاحٍ و رِفعةٍ فلا تنتظِرَ منهُ أَن يُقدِّمَ شيئاً ذا بالٍ في مظاهرِ المادَّةِ و وسائلِ الواقعِ الّذي يعيشُهُ بحواسِّهِ الظاهرةِ عيشَ العَجماواتِ!

يُمكِنُ للإنسانِ أَن يستغنيَ عَن كثيرٍ مِن مظاهرِ "التمَدُّنِ الماديِّ"، و لكنَّهُ لا يستغني بحالٍ عَنِ الْمَدنيَّةِ الروحيَّةِ و التقدُّمِ الفِكريِّ؛ فليسَ أَخطَرُ على المرءِ مِن أَنْ يتصوَّرَ أَنَّ التقدُّمَ الماديَّ وحدَهُ كَفيلٌ بإلغاءِ كُلِّ تقدُّمٍ في الأخلاقِ، و كُلِّ تطوُّرٍ في الحياةِ الروحيَّةِ الّتي مِن شأَنِها أَن تَفرِضَ التسامُحَ، و تَلغيَ في الغالبِ نزعاتَ التعصُّبِ, و تقلعَ مِنَ الأساسِ جذورَ التطرُّفِ، و تُزيلَ الكراهيَّةَ بينَ القُلوبِ وَ العُقولِ.

و إِنــَّهُ لَمِنَ العَجَبِ العُجابِ، أَن ترى أُناساً مِن بيننا اليومَ يسوؤهُم أَن يَجِدوا مَنْ يدعو في عَصرِنا هذا، إلى مثلِ هذهِ القيَمِ، لكأَنـَّهُم يعتبرونها اليومَ قيَماً ساقِطَةً بمِقدارِ ما يَعدُّونها دعوةً إلى التخلُّفِ و الرجعيَّةِ؛ إِنــَّما واقِعُ هذا العَصرِ نفسُهُ يشيَ بالنقيضِ، و يُشيرُ مِن أَقربِ دلالَةٍ إلى أَنَّ السقوطَ هُوَ فيما يَبدو ظاهِراً فيما يُصيبُ الإنسانَ مِن غفلةٍ عَن حقيقتِهِ الأصليَّةِ: مِنِ انفصامٍ داخليٍّ و تَجَزُّئٍ باطنيٍّ و افتقارٍ إلى معرفةِ التوحيدِ مِن جرَّاءِ مثلِ هذهِ الانتكاسَةِ الشعوريَّةِ بينَ ما يَعتَقِدُ في الباطنِ مِن قيَمٍ و مبادئٍ و يَسلُكُ في الظاهرِ كُلَّ ما يُناقِضُها.

هذهِ هيَ "جُرثومَةُ التخلُّفِ" الّذي يُمليهِ اليومَ ولاءُ الفَردِ الُْمعاصِرِ للتفكيرِ الماديِّ.

تلكَ هيَ جُرثومَةُ التخلُّفِ و ليسَ فيما سِواهُ؛ فالْمُتخلِّفونَ حَقيقةً لا مَجازاً هُمُ الّذينَ يَقلِبونَ الحَقائقَ لتكونَ فوضىً بغيرٍ قانونٍ يَحكُمُها أَو ناموسٍ تَسيرُ عليهِ: كُلٌّ يُدْلي بدَلْوِهِ فيها على هَواهُ، وَ يَقلِبونَ "القيَمَ" لتجيءَ قيَمَهُم الساقطَةُ وحدَها هيَ الحاكِمَةُ (هذا إذا صَحَّ أَنْ تكونَ القيمَةُ ساقطَةٌ و حاكمَةٌ في نفسِ الوقتِ!) و لكنَّ هذا هُوَ الواقِعُ الصحيحُ الْمُشهودُ اليومَ.

و لَم تَكُنِ القيَمُ الروحيَّةُ أَبداً في زمنٍ مِنَ الأزمانِ و لا في عَصرٍ مِنَ العصورِ مَدعاةٌ للتخلُّفِ وَ الرجعيَّةِ، و لَم تَكُنِ الدعوَةُ إِليها كذلكَ تُعَدُّ دَعوةً مُتخلِّفةً إِلّا أَن يَكونَ الْمُرادُ بالتخلُّف هُوَ تخلُّفُ الإنسانِ عَن حقيقتِهِ الأصليَّةِ، و عَن مسائلِ مسيرِهِ و مَصيرِهِ، فلا يُدرِكُ (مِن ثــَمَّ) على الحَقيقَةِ سوى ما تراهُ عيناهُ و تلمَسُهُ يداهُ مِمّا عساهُ لا يَنفَذَ بالْمُطلَقِ وراءَ الْمَحسوسِ الْمَلموسِ.

أَعودُ فأَقولُ: إِنَّ التقدُّمَ الماديَّ وحدَهُ، و أَخصُّ بالذِكرِ التَقدُّمَ العلميَّ مِنهُ، لا يُرشِدُنا في كُلِّ الأحوالِ إِلى السَّعادةِ المنشودَةِ؛ فَهُوَ إذا كانَ لا يتناقَضُ معَ الأخلاقِ، غيرَ أَنــَّهُ لا يُعطينا تصوُّراً واضِحاً نتقوَّى بهِ إِلى معرفَةِ القيَمِ الخُلُقيَّةِ ثــُمَّ سلوكِ هذهِ القيَمِ سلوكاً طيِّباً يَرضى عنهُ اللهُ بَلْ بالعَكسِ قَد يكونُ عائِقاً أمامَ التقدُّمِ الخُلُقيِّ فيما تَشهَدُهُ اليومَ أنظارُ الْمُشاهدينَ لصفحاتِ الفيسبوك و التواصلِ الاجتماعيِّ الّتي خَرَّبَتْ عقولَ الكثيرِ مِنَ الشَّبابِ وَ غيرِ الشَّبابِ، و أَضاعَتْ أَوقاتَهُم و أعمارَهُم أكثرَ مِمَّا أفادتهُم؛ فالشؤونُ الروحيَّةُ هيَ عَمَلُ القُدرَةِ الإلهيَّةِ، و الكشوفاتُ العلميَّةُ هيَ عمَلُ القُدرةِ الإنسانيَّةِ الْمَحدودةِ، و الإنسانُ لا يُسعِدُ نفسَهُ بنفسِهِ سعادَةَ الأَبدِ الدائمَةِ إِلّا إِذا اِتَّكئَ على قُدرةِ اللهِ الّذي خلَقَهُ؛ و لا يزالُ مُفتَقِراً إلى هذهِ القُدرَةِ ما دامَتْ فيهِ أَنفاسُ الوُجودِ.

و قديماً قالَ الفيلسوفُ الفِرنسيُّ "ديكارت" أَبو الفلسفةِ الحديثةِ:

-  "إِنَّ أُولئكَ الّذينَ منَحَهُم اللهُ عُقولاً، لا مناصَ لَهُم مِنْ أَنْ يَستعملوها في السعي الدائبِ إِلى معرفَةِ اللهِ تعالى، و إلى معرفَةِ أَنفُسِهِم"....

و لك إِنْ شئت أَن تتأَمَّل مثلَ هذهِ الكلماتِ الديكارتيَّةِ البسيطَةِ العَميقَةِ في آنٍ؛ لِترى الدلالةَ فيها تُوحي بأَمرينِ:

الأَمرُ الأَوَّلُ: إِنَّ سلاحينِ أَساسيينِ نفتقِدُهُما في مواجهةِ الواقعِ الكَدِرِ الْمُظلِمِ الّذي تعيشُهُ أُمَّتُنا العربيَّةُ، فلا بُدَّ مِنِ استرجاعِ ما فُقِدَ و استعادَةِ ما سُلِبَ، أَحدُهُما سِلاحُ "النُّورِ العَقليِّ"، وَ الآخَرُ سِلاحُ "النُّورِ القلبيِّ".

الأَوَّلُ: يَمنحَنا قُدرَةَ الانفتاحِ على "المبدأ"؛ و المبدأُ هُنا هُوَ العَقلُ.

و الثاني: يَهَبَنا الهدايةَ الإيمانيَّةَ.

وَ كِلاهُما يُعبِّرانِ بالضرورَةِ عَن وعي الإنسانِ الهادفِ بحقيقتِهِ الأصليَّةِ.

و الأمرُ الثاني: إِنَّ نوراً فِطريَّاً مَغروزاً للعَقلِ في أعماقِهِ، يَصِلُ الإنسانَ بمُقتضاهُ، فيما لَو عَرِفَ كيفَ يَستخدِمُ هذا النُّورَ، إِلى معرفةِ الحقيقةِ الّتي هُوَ عليها في نفسِهِ، تماماً كما يَصِلُ بمُقتضى هذا النُّورِ الباطنيِّ، فيما لَو أَحسنَ استخدامَهُ، إِلى معرفةِ اللهِ تعالى.

و الْمَعرِفتانِ على السواءِ: مَعرِفَةُ النَّفسِ، و معرِفَةُ اللهِ؛ هُما "اليقينُ" الّذي لَو اِنطفأَ مَعَهُ نورُ العَقلِ ما يَصحُّ لَهُ مِن بَعدِ ذاكَ وُجودٌ، و لَصارَتْ مَعارِفُ الإنسانِ كُلُّها أَهواءً شائبَةً، و مظالِمَ بيِّنةً، و أَوهاماً مُتَّبَعَةً، لا نورانيَّةٌ فيها و لا ضياءٌ يَهدي سواءَ السَّبيلِ.

 

الأسلحة البيولوجية، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة النووية، أسلحة الدمار الشامل، أقوى الأسلحة في العالم، القوة الاقتصادية، القوة الضاربة، القوة الناعمة
ألايكا مع ألايكا حلمك بين يديك

 

.........

الأسلحة البيولوجية، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة الكيميائية، الأسلحة النووية، الأسلحة فرط الصوتية، الأسلحة البيضاء، أسلحة الدمار الشامل، أقوى الأسلحة في العالم، القوة الرباعية، القوة الاقتصادية، القوة الضاربة، القوة الناعمة، القوة الدافعة الكهربائية، و المزيد في هذا المحتوى، أسلحتنا المفقودة، من مشاركات أعضاء ألايكا، في ألايكا

.........

شكراً لوجودك هنا و اطِّلاعك على هذا المحتوى

مع ألايكا

حُلمُك بين يديك

 

هل أعجبك هذا المحتوى؟ انسخ رابطه و أنشره في موقعك

رابط هذا المحتوى:


كود هذا المحتوى:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك بهذا المحتوى؟ رأيك أثرٌ يدلُّ إليك، عَبِّر عن رأيك و شاركنا به في تعليق؛ فرأيك يهمُّنا، و أثرك الدالُّ إليك يسعدُنا و يُشرِّفُنا، راجين منك الالتزام بآداب الحوار و الابتعاد عن أيِّ تعصُّباتٍ مذهبيَّةٍ و عدم التطرُّق إلى شيءٍ يُثيرُ الكراهيَّة؛ فهدفُنا هُوَ جلب المنفعة إليك و دفع الضرر عنك بشتى الوسائل المشروعة المتاحة لدينا، و نحنُ واثقون أنك إنسانٌ نبيلٌ تستحق منَّا و من الجميع كُلّ الاحترام.

امتلك عقارك الآن

امتلك عقارك الآن
يشرفنا أن نكون في خدمتك دائماً و يسعدنا أن نعمل على توفير العقار الذي تريده أنت حسب طلبك أنت

ما تؤمن به ألايكا

أؤمنُ أنا رافع آدم الهاشمي مؤسّس و مُدير عام و رئيس تحرير شركة ألايكا للأعمال الإبداعيَّة و الشراكات الاستثماريَّة، الوسيطُ الاستثماريّ المسؤولُ في ألايكا، بأنَّ الأشجارَ الكبيرةَ المثمرةَ بدأت ببذرةٍ، و الأعمالَ العظيمةَ الّتي خدمت المجتمعاتَ بدأت بفكرةٍ، و أنا بفضلِ اللهِ القُدّوسِ تعالى قَد زرعتُ هذه البذرةَ، و بالاتكالِ على اللهِ عزَّ و جَلَّ أعلنتُ للعالم أجمعٍ بكلّ وضوحٍ هذهِ الفكرةَ، فلنكن أنا و أنت معاً و نزيلُ حلكةَ الظلام، يداً بيدٍ نكونُ قادرينَ على أن نحقّقَ حُلمَ الغدِ، بغضّ النظر عن عِرقك أو انتمائك أو عقيدتك أو جنسك أو جنسيّتك أو درجتك العلميَّة أو مكانتك الاجتماعيّة، أهلاً بك ضمنَ أعضاءِ فريقنا الواحد في بيتك ألايكا، معَ ألايكا حُلمُك بين يديك

أنشأ حسابك الماليّ مجّاناً و ابدأ عمليَّة حصولك على المال

الصعود إلى أعلى الصفحة